نبض أرقام
10:55
توقيت مكة المكرمة

2024/05/20
2024/05/19

بَيع ما لا تملك في سوق الأسهم .. هل يصب هذا في مصلحة صغار المتداولين؟

2021/02/12 أرقام - خاص

على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية ربما لا يوجد في الأسوق المالية العالمية صوت يعلو صوت أزمة سهم "جيم ستوب" التي اندلعت في منتصف الشهر الماضي على إثر قيام ملايين من صغار المتداولين في السوق الأمريكي باستهداف عدد من صناديق التحوط النشطة في مجال البيع على المكشوف، وذلك من خلال التدافع على شراء عدد من أسهم هذه النوعية، ومن بينها سهم شركة "جيم ستوب".

 

 

بفضل قدرتهم على تنظيم صفوفهم والانقضاض معًا على الأسهم المباعة على المكشوف تمكن صغار المتداولين في السوق الأمريكي من تكبيد صناديق التحوط خسائر تتجاوز العشرين مليار دولار في غضون عدة أيام فقط، وهو ما أثار حماس كثير من صغار المستثمرين حول العالم، وزاد من سخطهم أيضًا تجاه القيود المفروضة في عدد كبير من الأسواق العالمية على نشاط البيع على المكشوف، والتي تصل في بعض الحالات للحظر التام.

 

هناك احتفاء غير مسبوق من قبل صغار المتداولين حول العالم بما حدث في معركة "جيم ستوب" التي خرجت منها الصناديق بخسارة شبه مذلة، لدرجة أن البعض أصبح ينظر إلى تلك الواقعة باعتبارها أقرب ما تكون إلى تمرد قاده فلاحون كادحون ضد نبلاء وسادة وول ستريت الأثرياء الذين لطالما جلدوا ظهورهم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تحمس البعض أكثر من اللازم؟

 

هل يعد هذا تلاعبًا فعلًا؟

 

بشكل أو بآخر أعادت أزمة "جيم ستوب" فتح واحد من أكثر المواضيع سخونة وإثارة للجدل في الأسواق المالية وهو موضوع البيع على المكشوف، وعلى الرغم من أنه موضوع قديم قدم الأسواق المالية نفسها إلا أن أكثر المستثمرين وبالأخص صغارهم وقليلو الخبرة منهم لا يدركون سبب القيود المفروضة على البيع على المكشوف وعواقب وتأثيرات إتاحته أو رفع الحظر عن ذلك الخيار الاستثماري على السوق المالية وقبل ذلك على نفسه كمتداول.

 

في البداية تنبغي الإشارة إلى أن البيع على المكشوف هو بالأساس عبارة عن قيام المستثمر أو بالأحرى المضارب ببيع سهم لا يملكه قام باقتراضه من إحدى شركات الوساطة، بهدف شرائه لاحقاً بسعر أقل، وذلك على خلفية توقعه لاتجاه سعر ذلك السهم نحو الانخفاض، أي أن البيع على المكشوف عبارة عن رهان على انخفاض سعر السهم.

 

 

في سوق الأسهم، تستهدف صناديق التحوط النشطة في مجال البيع على المكشوف، الشركات الضعيفة أو التي تمر بصعوبات مالية مما يرجح من احتمال هبوط سعر سهمها، ويقوم الصندوق باقتراض السهم قبل أن يبيعه مباشرة في السوق مما يخلق ضغطًا هبوطيًا على سعره، خاصة إذا فعل العديد من المستثمرين نفس الشيء.

 

بعد ذلك، وعندما يحين وقت إعادة الأسهم المقترضة، يشتريها الصندوق بسعر أقل بكثير ليردها لشركة الوساطة ويغلق مركزه محققًا أرباحًا كبيرة.

 

 من وجهة نظر كثير من صغار المتداولين ما سبق يعد تلاعبًا، ولذلك حرص كثير من متداولي البورصة الأمريكية على تلقين الصناديق درسًا لن ينسوه في معركة "جيم ستوب" من الإصرار على رفع سعر السهم إلى مستويات قياسية.

 

أول المتضررين

 

نجاح الغارة التي شنها هؤلاء على الصناديق جعل كثيرًا من المتداولين في أسواق أخرى يسألون عن إمكانية إتاحة آلية البيع على المكشوف لهم مما يمكنهم من فعل الشيء نفسه مع الصناديق الكبيرة في أسواقهم، ولكنّ قليلين هم مَن يعرفون مدى خطورة إتاحة هذا الخيار للمستثمرين الأفراد بالأخص في الأسواق الضعيفة تنظيميًا.

 

ترتبط آلية "البيع على المكشوف" بأحد أشهر أساليب الاحتيال الموجودة في أسواق الأسهم وهو أسلوب "البيع على المكشوف والتشويه" أو (Short and Distort)، هذا الأسلوب هو ممارسة غير قانونية يستخدمها بعض المضاربين الذين يقومون ببيع السهم على المكشوف قبل أن ينشروا شائعات سلبية لا أساس لها حول الشركة المستهدفة، في محاولة لخفض سعر سهم تلك الشركة، وعندما يحدث ذلك يقومون بشراء السهم وتغطية مراكزهم المكشوفة، ويحققون الأرباح.

 

 

أما المشكلة الأكبر المرتبطة بالبيع على المكشوف فهي أنها على عكس طريقة الشراء والاحتفاظ بالسهم لا يوجد سقف للخسائر التي قد يتكبدها صاحب المركز سواء كان مستثمرًا فردًا أو صندوقًا وذلك لأنه لا توجد حدود للارتفاعات الممكنة لسعر السهم.

 

على سبيل المثال، إن أقصى ما يمكن أن يخسره المستثمر الذي اشترى السهم "س" مقابل 10 ريالات هو الريالات العشرة لو افترضنا أن سعر السهم تراجع إلى أقل قيمة ممكنة وهي الصفر، أما المستثمر الذي باع نفس السهم على المكشوف فلا حدود لخسارته الممكنة، لأنه ملزم بإعادة شراء السهم مهما ارتفع سعره ورده إلى شركة الوساطة، وفي الوقت نفسه لا يوجد نظريًا على الأقل سقف للسعر الذي قد يصل إليه السهم.

 

بالتأكيد يوجد للبيع على المكشوف مزايا ربما أهمها زيادة السيولة في السوق، والمساهمة في اكتشاف الشركات المتلاعبة ببياناتها المالية؛ حيث يبذل البائعون على المكشوف وقتًا وجهدًا كبيرين في اكتشاف الثغرات الموجودة في البيانات المالية لبعض الشركات قبل أن يقوموا باستغلالها من خلال بيع السهم على لمكشوف وفضح أمر الشركة ليهبط سعرها، وهذا وإن كان يصب طبعًا في مصلحتهم فهو يصب أيضًا في مصلحة السوق الذي اكتشف لتوه شركة متلاعبة.

 

 

في العام الماضي أشادت الجهات المالية التنظيمية في ألمانيا بجهود الصناديق والمستثمرين النشطين في مجال البيع على المكشوف الذين راهنوا على انهيار سعر سهم شركة المدفوعات الألمانية "وایرکارد" وباعوه على المكشوف بعد أن كشفت تحليلاتهم عن تلاعب الشركة ببياناتها المالية التي اختفى منها نحو 1.9 مليار يورو.

 

حظر في أمريكا وفرنسا وكوريا وإيطاليا

 

أكثر البورصات العربية تفرض قيودًا مشددة على البيع على المكشوف وبعضها لا يتيح هذا الخيار للمستثمرين الأفراد، ولكن على عكس ما يعتقده البعض لا ترتبط هذه الممارسة بالأسواق العربية فقط، بل تنتشر في عدد من أكثر الأسواق تقدمًا في العالم وفي مقدمتها السوق الأمريكي.

 

قبل أزمة 2008 مباشرة قامت الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة بتعديل بعض القواعد التنظيمية التي جعلت من آلية "البيع على المكشوف" أسهل، ولكن بمجرد وقوع الأزمة وتحديدًا في سبتمبر 2008 أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة تعليقها بشكل مؤقت كل أشكال البيع على المكشوف في السوق الأمريكي بغرض الحيلولة دون انزلاقه إلى حالة من عدم الاستقرار والتقلبات الشديدة.

 

 

ولذات السبب، أعلنت الجهات التنظيمية في كوريا الجنوبية في مارس الماضي عزمها حظر البيع على المكشوف في سوقها المالية لمدة 6 أشهر تنتهي في سبتمبر 2020، وذلك قبل أن تعود فتقوم بتمديد الحظر ستة أشهر أخرى تنتهي في مارس 2021 ثم إلى مايو من العام نفسه، الحظر الكوري المفروض على البيع المكشوف يعتبر هو الأطول مقارنة مع الحظر المؤقت الذي فرضته كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وبلجيكا تزامنًا مع اندلاع أزمة كورونا.

 

وفي النهاية يقع على عاتق الجهات التنظيمية مسؤولية تثقيف جمهور المستثمرين حول المخاطر التي ينطوي عليها البيع على المكشوف، بالإضافة إلى ضرورة القيام بما يلزم لحماية جميع المشاركين في السوق من أي تلاعب غير قانوني، وهي مهمة ليست يسيرة عند النظر للتداعيات التي صاحبت واقعة "جيم ستوب" ولفتت نظر الجميع لهذه الآلية المربكة.

 

المصادر: أرقام – بلومبرج – فاينانشيال تايمز – وول ستريت جورنال

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة